أسماء الرسل ومن أرسلوا إليهم فصل وذكر إرسال عمرو بن أمية إلى
النجاشي ، وقد قدمنا ذكر ما قال وما قيل له وكذلك ذكرنا خبر سليط مع هوذة وما قال له وخبر عبد الله بن حذافة مع كسرى ، وكلامه معه ونذكر هنا بقية الإرسال وكلامهم فمنهم
دحية بن خليفة الكلبي ، فقدم دحية على قيصر وقد ذكرنا معنى هذا الاسم أعني اسم دحية واسم قيصر فيما مضى من الكتاب فلما قدم دحية على قيصر قال له " يا قيصر أرسلني إليك من هو خير منك ، والذي أرسله هو خير منه ومنك ، فاسمع بذل ثم أجب بنصح فإنك إن لم تذلل لم تفهم وإن لم تنصح لم تنصف قال هات قال هل تعلم أكان المسيح يصلي ؟ قال نعم قال فإني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له وأدعوك إلى من دبر خلق السموات والأرض والمسيح في بطن أمه وأدعوك إلى هذا النبي الأمي الذي بشر به موسى ، وبشر به عيسى ابن
مريم بعده وعندك من ذلك أثارة من علم تكفي من العيان وتشفي من
الخبر ، فإن أجبت كانت لك الدنيا والآخرة وإلا ذهبت عنك الآخرة وشوركت في الدنيا ، واعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة ويغير النعم " ، فأخذ قيصر الكتاب فوضعه على عينيه ورأسه وقبله ثم قال أما والله ما تركت كتابا إلا وقرأته ، ولا عالما إلا سألته ، فما رأيت إلا خيرا ، فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له فإني أكره أن أجيبك اليوم بأمر أرى غدا ما هو أحسن منه فأرجع عنه فيضرني ذلك ولا ينفعني ، أقم حتى أنظر فلم يلبث أن أتاه وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي
غزوة تبوك بقية حديث قيصر فانظره هنالك .
وأما حاطب فقدم على
المقوقس ، واسمه جريج بن
ميناء ، فقال له " إنه قد كان رجل قبلك يزعم أنه الرب الأعلى ، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ، فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ، ولا يعتبر بك غيرك ، قال هات قال إن ذلك دين لن تدعه إلا لما هو خير منه وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه . إن هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا الناس فكان أشدهم عليه
قريش ، وأعداهم له يهود وأقربهم منه
النصارى ، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل
التوراة إلى
الإنجيل ، وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدركه هذا النبي ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكن نأمرك به " قال
المقوقس : " إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى إلا عن مرغوب عنه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى ، وسأنظر فأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم
أم إبراهيم القبطية واسمها : مارية بنت شمعون وأختها معها ، واسمها
سيرين وهي أم
عبد الرحمن بن حسان بن ثابت وغلاما اسمه مأبور وبغلة اسمها دلدل وكسوة وقدحا من قوارير كان يشرب فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكاتبه .
رسوله إلى المنذر بن ساوى
وأما
العلاء بن الحضرمي ، فقدم على المنذر بن ساوى فقال له " يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا ، فلا تصغرن عن الآخرة إن هذه المجوسية شر دين ليس فيها تكرم
العرب ، ولا علم أهل الكتاب ينكحون ما يستحيا من نكاحه ويأكلون ما يتكرم على أكله ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة ولست بعديم عقل ولا رأي فانظر هل ينبغي لمن لا يكذب أن لا تصدقه ولمن لا يخون أن لا تأمنه ولمن لا يخلف أن لا تثق به فإن كان هذا هكذا ، فهو هذا النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه أو ما نهى عنه أمر به أو ليت زاد في عفوه أو نقص من عقابه إن كان ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل البصر " .
فقال المنذر قد نظرت في هذه الأمر الذي في يدي ، فوجدته للدنيا دون الآخرة ونظرت في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا ، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت ولقد عجبت أمس ممن يقبله وعجبت اليوم ممن يرده وإن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله وسأنظر .
مفتاح الجنة
فصل
ومما وقع في السيرة في حديث العلاء قول النبي عليه السلام له
إذا سئلت عن مفتاح الجنة فقل مفتاحها ، لا إله إلا الله
وفي
البخاري : قيل لوهب أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ فقال بلى ، ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك ، وفي رواية غيره أن
ابن عباس ذكر له قول وهب فقال صدق وهب وأنا أخبركم عن الأسنان ما هي فذكر الصلاة والزكاة وشرائع الإسلام .
عمرو الجلندى
وأما عمرو بن العاصي ، فقدم على الجلندى ، فقال له يا جلندى إنك وإن كنت منا بعيدا ، فإنك من الله غير بعيد إن الذي تفرد بخلقك أهل أن تفرده بعبادتك ، وأن لا تشرك به من لم يشركه فيك ، واعلم أنه يميتك الذي أحياك ، ويعيدك الذي بدأك ، فانظر في هذا النبي الأمي الذي جاء بالدنيا والآخرة فإن كان يريد به أجرا فامنعه أو يميل به هوى فدعه ثم انظر فيما يجيء به هل يشبه ما يجيء به الناس فإن كان يشبهه فسله العيان وتخير عليه في
الخبر ، وإن كان لا يشبهه فاقبل ما قال وخف ما وعد قال الجلندى : إنه والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول من أخذ به ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له وأنه يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر وأنه يفي بالعهد وينجز الموعود وأنه لا يزال سر قد اطلع عليه يساوي فيه أهله وأشهد أنه نبي .